السبت، 15 يونيو 2013

مرحلة التكليف

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(موسى عليه السلام)
وبعض آيات من سورة القصص
(7)

مرحلة التكليف

نستكمل بعون الله تعالى الرحلة المباركة لنبي الله موسى عليه السلام.. وفي هذه المرحلة الهامة- وهي مرحلة التكليف بالرسالة والذهاب والعودة إلى فرعون- وبداية الدعوة إلى الإيمان بالخالق الأعظم الله جل جلاله...وترك عبادة الطاغوت والمتمثلة هنا في عبادة فرعون..

والقرآن العظيم يجلي لنا تلك المشاهد الحية لتكون لنا دليلا حيا على أن المسلمين هم حملة رسالات الله من لدن أدم إلى خاتمهم نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى جميع الرسل والأنبياء.
وأن وعد الله حق .

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ.
قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ  - 85 القصص

فالهجرة تماثل الهجرة والعودة أتية حتما لأنه وعد الله تعالى.
******


 فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ - 29

فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – 30

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ – 31

اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ – 32

قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ – 33

وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ – 34

قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ – 35

******

وها هو موسى عائد ليتلقى في الطريق ما لم يخطر له على بال . ليناديه ربه ويكلمه , ويكلفه النهوض بالمهمة التي من أجلها وقاه ورعاه , وعلمه ورباه .

مهمة الرسالة إلى فرعون وملئه , ليطلق له بني إسرائيل يعبدون ربهم لا يشركون به أحدا ويرثون الأرض التي وعدهم ليمكن لهم فيها ثم ليكون لفرعون وهامان وجنودهما عدوا وحزنا , ولتكون نهايتهم على يديه كما وعد الله حقا....

﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ ﴾  كما هو الظن بموسى ووفائه، اشتاق إلى الوصول إلى أهله ووالدته وعشيرته، ووطنه، وعلم من طول المدة، أنهم قد تناسوا ما صدر منه. 
﴿ سَارَ بِأَهْلِهِ ﴾ قاصدا مصر، ﴿ آنَسَ ﴾ أي: أبصر ﴿ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ وكان قد أصابهم البرد، وتاهوا الطريق.

فلما أتاها نودي ﴿ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ فأخبر بألوهيته وربوبيته، ويلزم من ذلك، أن يأمره بعبادته، وتألهه، كما صرح به في الآية الأخرى ﴿ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي - طه14

﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ﴾ فألقاها ﴿ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ ﴾ تسعى سعيا شديدا .. ﴿ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾ ذَكَرُ الحيات العظيم، 
﴿ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ أي : يرجع، لاستيلاء الروع على قلبه،
 فقال اللّه له : ﴿ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ وهذا أبلغ ما يكون في التأمين، وعدم الخوف.

فإن قوله: ﴿ أَقْبِلْ ﴾ يقتضي الأمر بإقباله، ويجب عليه الامتثال، ولكن قد يكون إقباله، وهو لم يزل في الأمر المخوف، فقال : ﴿ وَلَا تَخَفْ ﴾ أمر له بشيئين، إقباله، وأن لا يكون في قلبه خوف،

 ولكن يبقى احتمال، وهو أنه قد يقبل وهو غير خائف، ولكن لا تحصل له الوقاية والأمن من المكروه،
فقال الله تعالى : ﴿ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ فحينئذ اندفع المحذور من جميع الوجوه،

 فأقبل موسى عليه السلام غير خائف ولا مرعوب، بل مطمئنا، واثقا بخبر ربه، قد ازداد إيمانه، وتم يقينه، فهذه آية، أراه اللّه إياها قبل ذهابه إلى فرعون، ليكون على يقين تام، فيكون أجرأ له، وأقوى وأصلب.


ثم أراه الآية الأخرى فقال تعالى : ﴿ اسْلُكْ يَدَكَ ﴾ أي: أدخلها ﴿ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾  فسلكها وأخرجها.

﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ﴾ أي ضم جناحك وهو عضدك إلى جنبك يزول عنك الرهب والخوف. 
﴿ فَذَانِكَ ﴾ انقلاب العصا حية، وخروج اليد بيضاء من غير سوء ﴿ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي: حجتان قاطعتان من اللّه، ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ فلا يكفيهم مجرد الإنذار وأمر الرسول إياهم، بل لا بد من الآيات الباهرة، إن نفعت.

قال موسى عليه السلام معتذرا من ربه، وسائلا له المعونة على ما حمله، وذاكرا الموانع التي فيه، ليزيل ربه ما يحذره منها.

 ﴿ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا  فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ - وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا ﴾ أي : معاونا ومساعدا ﴿ يُصَدِّقُنِي ﴾ فإنه مع تضافر الأخبار يقوى الحق فأجابه اللّه إلى سؤاله فقال : ﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ﴾ أي : نعاونك به ونقويك.

ثم أزال عنه محذور القتل، فقال: ﴿ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ﴾ أي: قوة إقناع وتسلطا، وتمكنا من الدعوة، بالحجة، والهيبة الإلهية من عدوهما لهما، 

﴿ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ﴾ وذلك بسبب آياتنا، وما دلت عليه من الحق، وما أزعجت به من باشرها ونظر إليها، فهي التي بها حصل لكما السلطان، واندفع بها عنكم، كيد عدوكم وصارت لكم أبلغ من الجنود، أولي الْعَدَدِ والْعُدَدِ.

﴿ أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴾ وهذا وعد لموسى في ذلك الوقت، وهو وحده فريد، وقد رجع إلى بلده، بعد ما كان شريدا، فلم تزل الأحوال تتطور، والأمور تنتقل، حتى أنجز الله له موعوده، ومكنه من العباد والبلاد، وصار له ولأتباعه، الغلبة والظهور.


********
كانت مصادر تفسير هذا اللقاء :
(في ظلال القرآن)  (التفسير الميسر)  (تفسير السعدي)  (تفسير الجلالين)


وإلى الملتقى إن شاء الله تعالى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق