السبت، 27 أكتوبر 2012

(أدم عليه السلام) وبعض آيات من سورة طه


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(أدم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة طه


وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى - 116

فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى – 117
 إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى - 118 وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى – 119

 فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى - 120
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى - 121

ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى - 122


وهكذا تختم قصة نبي الله " آدم " عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء الصلاة والسلام..
تختم بالاصطفاء والتوبة والقرب من الله العلي الحكيم لأبينا آدم..

ونلاحظ من الآيات السابقة طبيعة الحياة على الأرض ...

( فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى )

فالحياة على الأرض تتسم بالمكابدة والكفاح وبذل الجهد للوصول إلى العيش الكريم 

, قال تعالى في سورة البلد : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )

والمؤمن يبذل جهده في وجوه الخير طيلة العمر حتى يلاقي ربه مخلصا من كل شوائب الشرك , فالغاية عنده هي رضى الله تعالى , حيث النعيم الأبدي.

أما غير المؤمن يبذل جهده في هذه الدنيا لغايات عديدة منها صالحة وغير صالحة , فيحصل على نتائج ما يريد في الدنيا ولا نصيب له في الأخرة إلا الشقاء . فقد شقي في الدنيا والأخرة .

قال تعالى: كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا – 20 الإسراء

******

وفي ظل رسالة الله تعالى يعيش المؤمن في نعيم رغم عناء الدنيا ومشقتها .. ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )  رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة..

فنعيم الأخرة وجنات الخلد والعتق من النار هو الخروج من سجن الدنيا..

بينما تكون الدنيا جنة للكافرين والمتكبرين لما يرونه من سجن الأخرة..

ففي الحديث الشريف : الذي رواه الترمذي في سننه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يسمى : بولس تعلوهم نار الأنيار ، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال..

******

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - 123

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى -124
 قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا - 125 قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى - 126 وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى - 127

******* 

( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى )

 أي الكتب والرسل، فإن من اتبعه اتبع ما أمر به ، واجتنب ما نهي عنه ، فإنه لا يضل في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا يشقى فيهما ، بل قد هدي إلى صراط مستقيم ، في الدنيا والآخرة ، وله السعادة والأمن في الآخرة.

وقد نفى عنه الخوف والحزن في آية أخرى، بقوله : ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ -38 البقرة ﴾ 

 ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ﴾ أي : كتابي الذي يتذكر به جميع المطالب العالية ، وأن يتركه على وجه الإعراض عنه ، أو ما هو أعظم من ذلك، بأن يكون على وجه الإنكار له ، والكفر به ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ أي : فإن جزاءه ، أن نجعل معيشته ضيقة مشقة ، ولا يكون ذلك إلا عذابا.

وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، وأنه يضيق عليه قبره، ويحصر فيه ويعذب ، جزاء لإعراضه عن ذكر ربه ..

وبعض المفسرين، يرى أن المعيشة الضنك، عامة في دار الدنيا، بما يصيب المعرض عن ذكر ربه ، من الهموم والغموم والآلام ، التي هي عذاب معجل ، وفي دار البرزخ ، وفي الدار الآخرة ، لإطلاق المعيشة الضنك ، وعدم تقييدها. 
﴿ وَنَحْشُرُهُ ﴾ أي: هذا المعرض عن ذكر ربه ﴿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ أي أعمى البصر على الصحيح ، كما قال تعالى : ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا – 97 الإسراء ﴾... ( تفسير السعدي )

قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا - 125 قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى - 126 وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى - 127

******

وهكذا ندرك مدى أهمية القصص القرآني في بناء العقيدة الصحيحة لدى الإنسان ..وتبصرته بحقيقة وجوده على الأرض , والمصير في البرزخ , والخلود الأبدي في الآخرة حيث النعيم للؤمنين , والعذاب للكافرين..

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده المؤمنين المخلصين..


*******

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

الجمعة، 19 أكتوبر 2012

(أدم عليه السلام) وبعض آيات من سورة طه


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(أدم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة طه


وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا - 113
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا -114

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا - 115

تعرض قصة نبي الله آدم في صورة طه وربطها بالواقع , واقع رسالة الإسلام الذي يأخذ بيد البشرية إلى النجاة إلى جنات الخلد والنعيم الأبدي يوم الدين..

قال تعالى في سورة يونس :

وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  - 25
 لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – 26

فالقرآن العظيم هو كلام الله تعالى لأهل الأرض , ففيه علم الأولين والأخرين , وهو حبل النجاة من ظلمات الجهل والضلال..

حيث ورد في ذلك الكتاب عقيدة التوحيد , وأسماء و صفات الجلال لله تعالى...فمن أين لبشر معرفتها ؟
وشريعة متكاملة صالحة لكل زمان ومكان , ودارسي القانون يعلمون أن الشرائع تتكون عبر مئات السنين , ولا تكتمل .
فمن جاء بشريعة الإسلام المتكاملة بهذا المستوى الراقي الذي يشيع العدل والأمان في المجتمعات الإنسانية.

وجاء القرآن بدستور للأخلاق رفيعة عالية شهد لها العالم, فدخلوا في دين الله أفواجا بسبب تلك الأخلاق.

كما جاء بأخبار الأمم السابقة التي لايعرفها إلا متخصصون في علوم التاريخ ,

 وأخبار الدار الأخرة , فمن أين لبشر معرفتها ؟

وبيان بدأ الخلق . حيث لا يستطيع عقل بشري أن يخوض في ذلك الأمر.

وورد في القرآن العظيم من العلوم التي تم إكتشافها حديثا , ومازال عطاء القرآن متجدد في هذا المجال .

والقرآن معجز في بيانه ونظمه وترتيب آياته .

وقد أعجز العرب والعجم أن يأتوا بمثله .

قال تعالى :

قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا – 88 الإسراء

وقال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ  -107 الأنبياء


وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا - 113


أي: وكذلك أنزلنا هذا الكتاب، باللسان الفاضل العربي، الذي تفهمونه وتفقهونه، ولا يخفى عليكم لفظه، ولا معناه.
﴿ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ ﴾ أي : نوعناها أنواعا كثيرة، تارة بذكر أسمائه الدالة على العدل والانتقام ،
 وتارة بذكر المثلات التي أحلها بالأمم السابقة، وأمر أن تعتبر بها الأمم اللاحقة،
وتارة بذكر آثار الذنوب، وما تكسبه من العيوب،
وتارة بذكر أهوال القيامة، وما فيها من المزعجات والمقلقات،
وتارة بذكر جهنم وما فيها من أنوع العقاب وأصناف العذاب،
كل هذا رحمة بالعباد، لعلهم يتقون الله فيتركون من الشر والمعاصي ما يضرهم، ﴿ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾ فيعملون من الطاعات والخير ما ينفعهم،...1

*******

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا -114

فتعالى الله الملك الحق الذي تعنو له الوجوه ; ويخيب في حضرته الظالمون ويأمن في ظله المؤمنون الصالحون . . هو منزل هذا القرآن من عليائه , فلا يعجل به لسانك , فقد نزل القرآن لحكمة , ولن يضيعه . إنما عليك أن تدعو ربك ليزيدك من العلم , وأنت مطمئن إلى ما يعطيك , لا تخشى عليه الذهاب . وما العلم إلا ما يعلمه الله فهو الباقي الذي ينفع ولا يضيع . ويثمر ولا يخيب..

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا - 115

وعهد الله إلى آدم كان هو الأكل من كل الثمار سوى شجرة واحدة , تمثل المحظور الذي لا بد منه لتربية الإرادة , وتأكيد الشخصية , والتحرر من رغائب النفس وشهواتها بالقدر الذي يحفظ للروح الإنسانية حرية الانطلاق من الضرورات عندما تريد ; فلا تستعبدها الرغائب وتقهرها .

وهذا هو المقياس الذي لا يخطئ في قياس الرقي البشري . فكلما كانت النفس أقدر على ضبط رغائبها والتحكم فيها والاستعلاء عليها كانت أعلى في سلم الرقي البشري . وكلما ضعفت أمام الرغبة وتهاوت كانت أقرب إلى البهيمية وإلى المدارج الأولى .

من أجل ذلك شاءت العناية الإلهية التي ترعى هذا الكائن الإنساني أن تعده لخلافة الأرض باختبار إرادته , وتنبيه قوة المقاومة فيه , وفتح عينيه على ما ينتظره من صراع بين الرغائب التي يزينها الشيطان , وإرادته وعهده للرحمن ...2

( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ ) أي: ولقد وصينا آدم وأمرناه، وعهدنا إليه عهدا ليقوم به، فالتزمه، وأذعن له وانقاد، وعزم على القيام به، ومع ذلك نسي ما أمر به، وانتقضت عزيمته المحكمة، فجرى عليه ما جرى،
 فصار عبرة لذريته على مر العصور، وصارت طبائعهم مثل طبيعته، نسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ فخطئوا، ولم يثبت على العزم المؤكد، وهم كذلك، وبادر بالتوبة من خطيئته، وأقر بها واعترف، فغفرت له،....1
وكذلك لبني أدم إلى قيام الساعة فباب التوبة مفتوح لا يغلق حتي تطلع الشمس من مغربها...

1 – تفسير السعدي
2 – في ظلال القرآن


*********

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

الاثنين، 15 أكتوبر 2012

(أدم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الكهف


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(أدم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الكهف

تعرض مشاهد اليوم ضمن معرض مشاهد القيامة والصور الحية التي تعرض في الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا – 50

تعرض الآيات حقيقة إبليس لعنه الله , فكان من الجن وليس من الملائكة, ثم إنه فسق أي خرج عن طاعة الله تعالى.
فهل يعقل أن يتخذه الإنسان ولي من دون الله ؟؟؟ وقد حسد أبينا أدم وامتنع عن السجود , إذ كان الأمر بالسجود للملائكة ويشمله أيضا..

ومما يثيرالعجب أن من أبناء آدم يتخذون الشياطين أولياء , وقد علموا أنهم لهم أعداء , وبذلك ينتهون إلى العذاب في يوم الحساب مع المشركين.

هؤلاء المجرمون الذين وقفوا ذلك الموقف كانوا يعرفون أن الشيطان عدو لهم , ولكنهم تولوه فقادهم إلى ذلك الموقف العصيب .
فما أعجب أن يتولوا إبليس وذريته وهم لهم عدو منذ ما كان بين آدم وإبليس..1

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا...

يخبر تعالى، عن عداوة إبليس لآدم وذريته، وأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم، إكراما وتعظيما، وامتثالا لأمر الله، فامتثلوا ذلك ..
﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ وقال : ﴿ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا – 61 الإسراء ﴾ وقال: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ -76 ص﴾ فتبين بهذا عداوته لله ولأبيكم ولكم.
 فكيف تتخذونه وذريته أي : الشياطين ﴿ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ أي: بئس ما اختاروا لأنفسهم من ولاية الشيطان ، الذي لا يأمرهم إلا بالفحشاء والمنكر عن ولاية الرحمن ، الذي كل السعادة والفلاح والسرور في ولايته.

وفي هذه الآية، الحث على اتخاذ الشيطان عدوا ، وذكر السبب الموجب لذلك .

 وأي : ظلم أعظم من اتخذ عدوه الحقيقي وليا ، وترك الولي الحميد ؟ ".

قال تعالى : ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِالبقرة

وقال تعالى : ﴿ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ30 الأعراف

********

مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا – 51  
وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا – 52



واتخاذ إبليس وذريته أولياء يتمثل في تلبية دواعي المعصية والتولي عن دواعي الطاعة .
ولماذا يتولون أعداءهم هؤلاء ؟؟؟  وليس لديهم علم ولا لهم قوة .
 فالله لم يشهدهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم فيطلعهم على غيبه . والله لا يتخذهم عضدا فتكون لهم قوة...

بل المنفرد بالخلق والتدبير، والحكمة والتقدير، هو الله، خالق الأشياء كلها، المتصرف فيها بحكمته، فكيف يجعل له شركاء من الشياطين، يوالون ويطاعون، كما يطاع الله، وهم لم يخلقوا ولم يشهدوا خلقا، ولم يعاونوا الله تعالى؟! ولهذا قال: ﴿ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾ أي: معاونين، مظاهرين لله على شأن من الشئون، أي: ما ينبغي ولا يليق بالله، أن يجعل لهم قسطا من التدبير، لأنهم ساعون في إضلال الخلق والعداوة لربهم، فاللائق أن يقصيهم ولا يدنيهم.

ولما ذكر حال من أشرك به في الدنيا، وأبطل هذا الشرك غاية الإبطال، وحكم بجهل صاحبه وسفهه، أخبر عن حالهم مع شركائهم يوم القيامة، وأن الله يقول لهم : ﴿ نَادُوا شُرَكَائِيَ ﴾ بزعمكم أي: على موجب زعمكم الفاسد، وإلا فبالحقيقة ليس لله شريك في الأرض، ولا في السماء، أي: نادوهم، لينفعوكم، ويخلصوكم من الشدائد،
﴿ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ﴾ لأن الحكم والملك يومئذ لله، لا أحد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه ولا لغيره.

﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ ﴾ أي : بين المشركين وشركائهم ﴿ مَوْبِقًا ﴾ أي، مهلكا، يفرق بينهم وبينهم، ويبعد بعضهم من بعض، ويتبين حينئذ عداوة الشركاء لشركائهم، وكفرهم بهم، وتبريهم منهم، كما قال تعالى ﴿ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾.....2

********

وهكذا نرى الصورة واضحة تماما لا غموض فيها , صورة إبليس وتكبره على أمر الله تعالى , ثم حسده لأدم وتوعده بإغواء بني أدم وصدهم عن طريق الحق...وتزين طريق الشر بكل السبل..
ومع هذا الوضوح التام في الصورة تجد من البشر من يتخذ الشياطين أولياء من دون الله..

نعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

1-في ظلال القرآن
2- تفسير السعدي
*********

دمتم في رعاية الله وأمنه
                                  وإلى لقاء قادم إن شاء 

الخميس، 11 أكتوبر 2012

( أدم عليه السلام ) بعض آيات من سورة الإسراء


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
( أدم عليه السلام )
بعض آيات من سورة الإسراء


وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا -61
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا - 62
قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا - 63
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا - 64
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا – 65
ينبه تبارك وتعالى عباده على شدة عداوة الشيطان وحرصه على إضلالهم وأنه لما خلق الله آدم استكبر عن السجود له و ﴿ قَالَمتكبرا: ﴿ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًاأي : من طين وبزعمه أنه خير منه لأنه خلق من نار. وقد تقدم فساد هذا القياس الباطل من عدة أوجه.
إنه حسد إبليس لآدم يجعله يذكر الطين ويغفل نفخة الله في هذا الطين !
فلما تبين لإبليس تفضيل الله لآدم ﴿ قَالَمخاطبا لله: ﴿ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُأي : لأستأصلنهم بالإضلال ولأغوينهم ﴿ إِلَّا قَلِيلًاعرف الخبيث أنه لا بد أن يكون منهم من يعاديه ويعصيه. ( تفسير السعدي )
( يقول الشهيد سيد قطب في ظلال القرآن )
ويغفل إبليس عن استعداد الإنسان للخير والهداية استعداده للشر والغواية . عن حالته التي يكون فيها متصلا بالله فيرتفع ويسمو ويعتصم من الشر والغواية , ويغفل عن أن هذه هي مزية هذا المخلوق التي ترفعه على ذوي الطبيعة المفردة التي لا تعرف إلا طريقا واحدا تسلكه بلا إرادة . فالإرادة هي سر هذا المخلوق العجيب .
فقال الله له: ﴿ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ
اذهب فحاول محاولتك . اذهب مأذونا في إغوائهم . فهم مزودون بالعقل والإرادة , يملكون أن يتبعوك أو يعرضوا عنك ﴿ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْمغلبا جانب الغواية في نفسه على جانب الهداية , معرضا عن نداء الرحمن إلى نداء الشيطان , غافلا عن آيات الله في الكون , وآيات الله المصاحبة للرسالات.. واختارك على ربه ووليه الحق، ﴿ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا ﴾ أي : مدخرا لكم موفرا جزاء أعمالكم.

ثم أمره الله أن يفعل كل ما يقدر عليه من إضلالهم فقال : ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَويدخل في هذا كل داع إلى المعصية.
﴿ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَويدخل فيه كل راكب وماش في معصية الله فهو من خيل الشيطان ورجله.

وهو تجسيم لوسائل الغواية والإحاطة , والاستيلاء على القلوب والمشاعر والعقول . فهي المعركة الصاخبة , تستخدم فيها جميع الوسائل..
ولعل أشد الوعود إغراء الوعد بالعفو والمغفرة بعد الذنب والخطيئة ; وهي الثغرة التي يدخل منها الشيطان على كثير من القلوب التي يعز عليه غزوها من ناحية المجاهرة بالمعصية والمكابرة . فيتلطف حينئذ إلى تلك النفوس المتحرجة , ويزين لها الخطيئة وهو يلوح لها بسعة الرحمة الإلهية وشمول العفو والمغفرة ! ( الظلال )
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ – 6  الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ  - 7 الانفطار
يا أيها الإنسان  ما الذي جعلك تغتَرُّ بربك الجواد كثير الخير الحقيق بالشكر والطاعة , أليس هو الذي خلقك فسوَّى خلقك فعَدَلك, وركَّبك لأداء وظائفك, في أيِّ صورة شاءها خلقك ؟
******
﴿ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِوذلك شامل لكل معصية تعلقت بأموالهم وأولادهم من منع الزكاة والكفارات والحقوق الواجبة، وعدم تأديب الأولاد وتربيتهم على الخير وترك الشر وأخذ الأموال بغير حقها أو وضعها بغير حقها أو استعمال المكاسب الردية.
بل ذكر كثير من المفسرين أنه يدخل في مشاركة الشيطان في الأموال والأولاد ترك التسمية عند الطعام والشراب والجماع، وأنه إذا لم يسم الله في ذلك شارك فيه الشيطان كما ورد فيه الحديث.
﴿ وَعِدْهُمْ الوعود المزخرفة التي لا حقيقة لها ولهذا قال: ﴿ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا أي : باطلا مضمحلا كأن يزين لهم المعاصي والعقائد الفاسدة ويعدهم عليها الأجر لأنهم يظنون أنهم على الحق، وقال تعالى في سورة البقرة : ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ﴾
ولما أخبر عما يريد الشيطان أن يفعل بالعباد وذكر ما يعتصم به من فتنته وهو عبودية الله والقيام بالإيمان والتوكل فقال: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ أي :  تسلط وإغواء بل الله يدفع عنهم - بقيامهم بعبوديته -  كل شر ويحفظهم من الشيطان الرجيم ويقوم بكفايتهم. ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾ لمن توكل عليه وأدى ما أمر به.
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا..
********
دمتم في رعاية الله وأمنه
وإلى لقاء قادم بإذن الله تعالى