الاثنين، 30 يوليو 2012

أنبياء الله في القرآن العظيم (أدم عليه السلام) - 3


بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم
(أدم عليه السلام)

إستكمالا للقاء السابق في الحديث عن نبي الله " أدم " عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام .
أدركنا أن مدة هذه الحياة, مؤقتة عارضة , ليست مسكنا حقيقيا , وإنما هي معبر يتزود منها للدار الأبدية جنات النعيم..
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ – 36 
كان هذا إيذانا بانطلاق المعركة في مجالها المقدر لها . بين الشيطان والإنسان . إلى آخر الزمان .
ونهض آدم من عثرته , بما ركب في فطرته , وأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها .
******** 
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ – 37

وتمت كلمة الله الأخيرة , وعهده الدائم مع آدم وذريته . عهد الاستخلاف في هذه الأرض , وشرط الفلاح فيها أو البوار .

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ – 38
 وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – 39
وانتقلت المعركة الخالدة إلى ميدانها الأصيل . وعرف الإنسان في فجر البشرية كيف ينتصر إذا شاء الانتصار , وكيف ينكسر إذا اختار لنفسه الخسار . . .
دروس واستنباطات من قصة آدم
وبعد فلا بد من عودة إلى مطالع القصة . قصة البشرية الأولى .
لقد قال الله تعالى للملائكة: ( إني جاعل في الأرض خليفة ). . وإذن فآدم مخلوق لهذه الأرض منذ اللحظة الأولى . ففيم إذن كانت تلك الشجرة المحرمة ? وفيم إذن كان بلاء آدم ? وفيم إذن كان الهبوط إلى الأرض , وهو مخلوق لهذه الأرض منذ اللحظة الأولى ?
إنه التدريب العملي في مواجهة الغواية , وتذوق العاقبة , وتجرع الندامة , ومعرفة العدو , والالتجاء بعد ذلك إلى الملاذ الأمين .
إن قصة الشجرة المحرمة , ووسوسة الشيطان باللذة , ونسيان العهد بالمعصية , والصحوة من بعد السكرة , والندم وطلب المغفرة . . إنها هي هي تجربة البشرية المتجددة المكرورة ...
لقد اقتضت رحمة الله بهذا المخلوق أن يهبط إلى مقر خلافته , مزودا بهذه التجربة التي سيتعرض لمثلها طويلا , استعدادا للمعركة الدائبة وموعظة وتحذيرا . .
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ – 38
 وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – 39
وندرك من الآيات السابقة عدة إعتبارات :
أولا -  أن الإنسان سيد هذه الأرض .
 ومن أجله خلق كل شيء فيها - كما تقدم ذلك نصا - فهو إذن أعز وأكرم وأغلى من كل شيء مادي , ومن كل قيمة مادية في هذه الأرض جميعا . ولا يجوز إذن أن يستعبد أو يستذل لقاء توفير قيمة مادية أو شيء مادي . . لا يجوز أن يعتدي على أي مقوم من مقومات إنسانيته الكريمة , ولا أن تهدر أية قيمة من قيمه لقاء تحقيق أي كسب مادي , أو إنتاج أي شيء مادي , أو تكثير أي عنصر مادي . . فهذه الماديات كلها مخلوقة - أو مصنوعة - من أجله . من أجل تحقيق إنسانيته . من أجل تقريروجوده الإنساني . فلا يجوز إذن أن يكون ثمنها هو سلب قيمة من قيمه الإنسانية , أو نقص مقوم من مقومات كرامته .

ثانيا -  دور الإنسان على الأرض .
فهو الذي يغير ويبدل في أشكالها وفي ارتباطاتها ; وهو الذي يقود اتجاهاتها ورحلاتها . وليست وسائل الإنتاج ولا توزيع الإنتاج , هي التي تقود الإنسان وراءها ذليلا سلبيا كما تصوره المذاهب المادية التي تحقر من دور الإنسان وتصغر , بقدر ما تعظم في دور الآلة وتكبر !
إن النظرة القرآنية تجعل هذا الإنسان بخلافته في الأرض , عاملا مهما في نظام الكون , ملحوظا في هذا النظام . فخلافته في الأرض تتعلق بارتباطات شتى مع السماوات ومع الرياح ومع الأمطار , ومع الشموس والكواكب . . وكلها ملحوظ في تصميمها وهندستها إمكان قيام الحياة على الأرض , وإمكان قيام هذا الإنسان بالخلافة . . فأين هذا المكان الملحوظ من ذلك الدور الذليل الصغير الذي تخصصه له المذاهب المادية , ولا تسمح له أن يتعداه ? !
وما من شك أن كلا من نظرة الإسلام هذه ونظرة المادية للإنسان تؤثر في طبيعة النظام الذي تقيمه هذه وتلك للإنسان ; وطبيعة احترام المقومات الإنسانية أو إهدارها ; وطبيعة تكريم هذا الإنسان أو تحقيره . . وليس ما نراه في العالم المادي من إهدار كل حريات الإنسان وحرماته ومقوماته في سبيل توفير الإنتاج المادي وتكثيره , إلا أثرا من آثار تلك النظرة إلى حقيقة الإنسان , وحقيقة دوره في هذه الأرض !
كذلك ينشأ عن نظرة الإسلام الرفيعة إلى حقيقة الإنسان ووظيفته إعلاء القيم الأدبية في وزنه وتقديره , وإعلاء قيمة الفضائل الخلقية , وتكبير قيم الإيمان والصلاح والإخلاص في حياته . فهذه هي القيم التي يقوم عليها عهد استخلافه :

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.
وهذه القيم أعلى وأكرم من جميع القيم المادية - هذا مع أن من مفهوم الخلافة تحقيق هذه القيم المادية , ولكن بحيث لاتصبح هي الأصل ولا تطغى على تلك القيم العليا - ولهذا وزنه في توجيه القلب البشري إلى الطهارة والارتفاع والنظافة في حياته . بخلاف ما توحيه المذاهب المادية من استهزاء بكل القيم الروحية , وإهدار لكل القيم الأدبية , في سبيل الاهتمام المجرد بالإنتاج والسلع ومطالب الغرائز...
وفي التصور الإسلامي اعلاء من شأن الإرادة في الإنسان فهي مناط العهد مع الله , وهي مناط التكليف والجزاء . . إنه يملك الارتفاع على مقام الملائكة بحفظ عهده مع ربه عن طريق تحكيم إرادته , وعدم الخضوع لشهواته , والاستعلاء على الغواية التي توجه إليه .
 بينما يملك أن يشقي نفسه ويهبط من عليائه , بتغليب الشهوة على الإرادة , والغواية على الهداية , ونسيان العهد الذي يرفعه إلى مولاه . وفي هذا مظهر من مظاهر التكريم لا شك فيه , يضاف إلى عناصر التكريم الأخرى . كما أن فيه تذكيرا دائما بمفرق الطريق بين السعادة والشقاوة , والرفعة والهبوط , ومقام الإنسان المريد ودرك الحيوان المسوق !
وأخيرا تجيء فكرة الإسلام عن الخطيئة والتوبة . . إن الخطيئة فردية والتوبة فردية . في تصور واضح بسيط لا تعقيد فيه ولا غموض . . ليست هنالك خطيئة مفروضة على الإنسان قبل مولده - كما تقول نظرية الكنيسة - وليس هنالك تكفير لاهوتي , كالذي تقول الكنيسة إن عيسى - عليه السلام - [ ابن الله بزعمهم ] قام به بصلبه , تخليصا لبني آدم من خطيئة آدم ! . . كلا ! خطيئة آدم كانت خطيئته الشخصية , والخلاص منها كان بالتوبة المباشرة في يسر وبساطة . وخطيئة كل ولد من أولاده خطيئة كذلك شخصية , والطريق مفتوح للتوبة في يسر وبساطة . . تصور مريح صريح . يحمل كل إنسان وزره , ويوحي إلى كل إنسان بالجهد والمحاولة وعدم اليأس والقنوط . . ( إن الله تواب رحيم ). .
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.
********
دمتم في رعاية الله وأمنه
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

الأربعاء، 25 يوليو 2012

( أدم عليه السلام )


بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم
(أدم عليه السلام)

نستكمل بعون الله تعالى الحديث عن نبي الله " أدم " الذي علمه الآسماء كلها .. وندرك أهمية العلم للإنسان .

ولذلك نجد أول آيات القرآن العظيم تبدأ بالأمر بالقراءة ولا تكون القراءة إلا بالتعلم لمبادئ الكتابة ومعرفة أسماء الأشياء.. قال تعالى :
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ....
وقال تعالى :
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ – 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ – 4 عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ – 5
إن المدخل الأول للتعلم هو القراءة , ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) .
وإن المدخل الأول للبحث العلمي هو النظر في الحقائق الموجودة من واقع الحياة ( خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ )...
وإن "المعلم" هو الضرورة لكلا الأمرين .
لأن العلم مكتسب ولا يولد مع الإنسان, لا بد من معلم ووسيلة للكتابة.. ولذك كان التعلم لأبي البشر أدم عليه السلام . قال تعالى : وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ....
ولأهمية العلم والتعلم ورد في الحديث الشريف :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من سلك طريقا يطلب فيه علما ، سلك الله به طريقا من طرق الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ، ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء ، لم يورثوا دينارا ، ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر...
الراوي: أبو الدرداء المصدر: صحيح الجامع للألباني –
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وأن الذين يخافون الله تعالى هم العلماء لما يرونه من حقائق مزهلة في عالم الإنسان والحيوان والنبات والجماد وفي مجرات النجوم والكوكب والأقمار وفي الذرة وفي البحار والأنهار.
قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ -28 فاطر
والعلم من أهم صفات من نزل عليهم القرآن العظيم
قال تعالى: في أول سورة فصلت:
حم – 1 تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - 2 كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – 3
يخبر تعالى عباده أن هذا القرآن العظيم ﴿ تَنْزِيلُ ﴾ صادر ﴿ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ الذي وسعت رحمته كل شيء، الذي من أعظم رحمته وأجلها، إنزال هذا الكتاب، الذي حصل به، من العلم والهدى، والنور، والشفاء، والرحمة، والخير الكثير، فهو الطريق للسعادة في الدارين...
ثم أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال: ﴿ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ﴾ أي: فصل كل شيء , وهذا يستلزم من علماء المسلمين تدبر آياته والبحث في كافة العلوم التي أتى بها على الإجمال حتى يستوعبها البشر في كافة العصور....
﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ أي: باللغة الفصحى أكمل اللغات، فصلت آياته وجعل عربيًا. ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ أي: لأجل أن يتبين لهم معناه، كما تبين لفظه، ويتضح لهم الهدى من الضلال، والْغَيِّ من الرشاد.....
فتفوق المسلمون الأوائل في العلوم الصناعية في كافة المجالات مثل صناعة السفن والأساطيل البحرية وإنشاء الترع والسدود و إنشاء المدن وما ترتب عليها من مرافق وإضاءة...
*********
وبهذا التكريم للإنسان بالعلم أمر الله تعالى الملائكة السجود لأدم عليه السلام..
 وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ – 34
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ – 35  فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ – 36 
أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم; إكراما له وتعظيما; وعبودية لله تعالى، فامتثلوا أمر الله; وبادروا كلهم بالسجود، ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى ﴾ امتنع عن السجود, وهذا الإباء منه والاستكبار; نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه; فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره.
ونفهم من الآيات أن الله تعالى عرف الملائكة فضل آدم بالعلم; وأنه أفضل صفة تكون في العبد، حيث أمرهم بالسجود لآدم ; إكراما له ; لما بان فضل علمه وبيان فضل آدم ; وأفضال الله عليه ; ثم تبين لنا عداوة إبليس لأدم وذريته.
********
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ – 35  
لما خلق الله آدم وفضله; أتم نعمته عليه; بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها; ويستأنس بها;
وأمرهما بسكنى الجنة; والأكل منها رغدا; أي: واسعا هنيئا، ﴿ حَيْثُ شِئْتُمَا ﴾ أي: من أصناف الثمار والفواكه;
﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾ نوع من أنواع شجر الجنة; الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء  أو لحكمة غير معلومة لنا .
 ﴿ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ دل على أن النهي للتحريم; لأنه رتب عليه الظلم.

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ – 36 
( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ) فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد;
( وَقُلْنَا اهْبِطُوا ) أهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة.
﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ أي : آدم وذريته ; أعداء لإبليس وذريته، ومن المعلوم أن العدو; يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق ; وحرمانه الخير بكل طريق،
 ففي ضمن هذا, تحذير بني آدم من الشيطان الرجيم..
ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض، فقال: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ﴾ أي: مسكن وقرار،
﴿ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ انقضاء آجالكم, ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها, وخلقت لكم،
وندرك أن مدة هذه الحياة, مؤقتة عارضة , ليست مسكنا حقيقيا , وإنما هي معبر يتزود منها للدار الأبدية جنات النعيم , جعلنا الله وسائر المسلمين من أهل الفردوس الأعلى..
**********
وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى

الاثنين، 23 يوليو 2012

أنبياء الله في القرآن العظيم-1


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة..
ثم أما بعد : قال تعالى " أفلا يتدبرون القرأن "...
وفي محاولة لتدبر القرأن العظيم نعيش مع آنبياء الله تعالى , بحسب ورود ذكرهم عبر سور القرأن الكريم.. نأخذ منها العبرة والدروس المستفادة ونعيش معها كأننا نراها.
ونبدأ بعون الله تعالى بنبي الله " أدم " عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

ونتناولها إن شاء الله من خلال أجزاء القرأن العظيم..
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وأن يعيننا على الفهم والأخلاص..

الجزء الأول
وبعض آيات من سورة البقرة

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ – 30   
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ – 31
 قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ – 32
 قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ – 33
********
القرآن العظيم كتاب دعوة , ودستور نظام , ومنهج حياة , لا كتاب رواية ولا تسلية ولا تاريخ .
وفي سياق الدعوة يجيء القصص المختار , بالقدر وبالطريقة التي تناسب الجو والسياق ويعتمد على إبداع العرض , وقوة الحق , وجمال الأداء .
وقصص الأنبياء في القرآن يمثل موكب الإيمان في طريقه الممتد الواصل الطويل .
ويعرض قصة الدعوة إلى الله واستجابة البشرية لها جيلا بعد جيل ; كما يعرض طبيعة الإيمان في نفوس هذه النخبة المختارة من البشر , وطبيعة تصورهم للعلاقة بينهم وبين ربهم الذي خصهم بهذا الفضل العظيم .
وتتبع هذا الموكب الكريم يفيض على القلب رضى ونورا وشفافية ; ويشعره بنفاسة هذا العنصر العزيز - عنصر الإيمان - وأصالته في الوجود . كذلك يكشف عن حقيقة التصور الإيماني ويميزه في الحس من سائر التصورات الدخيلة . . ( المصدر في ظلال القرآن )
********
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً..
تكريم ومنزلة عظيمة , منزلة هذا الإنسان , في نظام الوجود على هذه الأرض الفسيحة . وهو التكريم الذي شاءه له خالقه الكريم..
وندرك ذلك حين نتملاه اليوم بالحس اليقظ والبصيرة المفتوحة , ورؤية ما تم في الأرض على يد هذا الكائن المستخلف في هذا الملك العريض..
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ؟
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ.
يوحي قول الملائكة هذا بأنه كان لديهم من شواهد الحال , أو من تجارب سابقة في الأرض , أو من إلهام البصيرة , ما يكشف لهم عن شيء من فطرة هذا المخلوق , أو من مقتضيات حياته على الأرض ; وما يجعلهم يعرفون أو يتوقعون أنه سيفسد في الأرض , وأنه سيسفك الدماء . . ثم هم - بفطرة الملائكة البريئة التي لا تتصور إلا الخير المطلق , وإلا السلام الشامل - يرون التسبيح بحمد الله والتقديس له , هو وحده الغاية المطلقة للوجود , وهو وحده العلة الأولى للخلق . .
وهو متحقق بوجودهم هم , يسبحون بحمد الله ويقدسون له ,ويعبدونه ولا يفترون عن عبادته !
لقد خفيت عليهم حكمة المشيئة العليا , في بناء هذه الأرض وعمارتها , وفي تنمية الحياة وتنويعها , وفي تحقيق إرادة الخالق وناموس الوجود في تطويرها وترقيتها وتعديلها , على يد خليفة الله في أرضه .
 هذا الذي قد يفسد أحيانا , وقد يسفك الدماء أحيانا , ليتم من وراء هذا الشر الجزئي الظاهر خير أكبر وأشمل . خير النمو الدائم , والرقي الدائم . خير الحركة الهادمة البانية . خير المحاولة التي لا تكف , والتطلع الذي لا يقف , والتغيير والتطوير في هذا الملك الكبير .
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ .   
قال الله تعالى للملائكة: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ ﴾ من هذا الخليفة ﴿ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ؛ لأن كلامكم بحسب ما ظننتم, وأنا عالم بالظواهر والسرائر, وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة.
إن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين, والشهداء والصالحين, ولتظهر آياته للخلق, ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة, كالجهاد وغيره.
 وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان, وليتبين عدوه من وليه, وحزبه من حربه, وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه, واتصف به, فهذه حكم عظيمة, يكفي بعضها في ذلك.
( المصدر تفسير السعدي )
*********
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ – 31
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ – 32
 قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ – 33
نشهد طرفا من ذلك السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري , وهو يسلمه مقاليد الخلافة .
 سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات . سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها - وهي ألفاظ منطوقة - رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة . وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض .
ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى , لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات , والمشقة في التفاهم والتعامل , حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه . .
الشأن شأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا باستحضار جسم النخلة ! الشأن شأن جبل . فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل ! الشأن شأن فرد من الناس فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضير هذا الفرد من الناس . . . إنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة !
 وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .
فأما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية , لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم . ومن ثم لم توهب لهم . فلما علم الله آدم هذا السر , وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الأسماء . لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص . .
 وجهروا بعجزهم ولجأوا إلى تسبيح ربهم , والإقرار بحدود علمهم .
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ .
قال الله تعالى : ﴿ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ﴾ أي: أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة; فعجزوا عنها،
 ﴿ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ﴾ تبين للملائكة فضل آدم عليهم; وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة، ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ وهو ما غاب عنا; فلم نشاهده، فإذا كان عالما بالغيب; فالشهادة من باب أولى،
﴿ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ﴾ أي : تظهرون ﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾...
**********
وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى