الجمعة، 22 فبراير 2013

لقاء الملائكة بإبراهيم عليه السلام في سورة هود


أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة هود
(12)

لقاء الملائكة بإبراهيم عليه السلام

نعيش اليوم مع نبي الله " إبراهيم عليه السلام " وضيوفه الكرام من الملائكة , نسمعهم , ونرى الحوار الحي بينهم ..ونشاهد كرم الضيافة , ونلاحظ البشرى والرحمة والبركة على إبراهيم وأله...
وإعلامه بإهلاك قوم لوط الذين خالفوا الفطرة واتبعوا الشذوذ ..

*******

وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ - 69

فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ -70  

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ – 71

قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ – 72

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ – 73

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ – 74

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ – 75

يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ – 76  

*******

﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا ﴾ من الملائكة الكرام، رسولنا ﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الخليل ﴿ بِالْبُشْرَى ﴾ أي : بالبشارة بالولد، حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط، وأمرهم أن يمروا على إبراهيم، فيبشروه بإسحاق، فلما دخلوا عليه ﴿ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ ﴾ أي : سلموا عليه، ورد عليهم السلام.

ففي هذا مشروعية السلام، وأنه لم يزل من ملة إبراهيم عليه السلام، وأن السلام قبل الكلام، وأنه ينبغي أن يكون الرد، أبلغ من الابتداء, لأن سلامهم بالجملة الفعلية، الدالة على التجدد، ورده بالجملة الاسمية، الدالة على الثبوت والاستمرار، وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية.

﴿ فَمَا لَبِثَ ﴾ إبراهيم لما دخلوا عليه ﴿ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ أي: بادر لبيته، فاستحضر لأضيافه عجلا مشويا على الرضف سمينا،
 فقربه إليهم فقال: ألا تأكلون؟.

﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ ﴾ أي: إلى تلك الضيافة ﴿ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ وظن أنهم أتوه بشر ومكروه، وذلك قبل أن يعرف أمرهم.

فـ ﴿ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ أي : إنا رسل الله, أرسلنا الله إلى إهلاك قوم لوط.

وامرأة إبراهيم ﴿ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ ﴾ حين سمعت بحالهم، وما أرسلوا به، تعجبا.

﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ فتعجبت من ذلك.
و ﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ﴾ فهذان مانعان من وجود الولد ﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾...

﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ فإن أمره لا عجب فيه ، لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء، فلا يستغرب على قدرته شيء ، وخصوصا فيما يدبره ويمضيه ، لأهل هذا البيت المبارك...

﴿ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ أي : لا تزال رحمته وإحسانه وبركاته، وهي: الزيادة من خيره وإحسانه ﴿ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ أي: حميد الصفات، لأن صفاته صفات كمال، حميد الأفعال لأن أفعاله إحسان، وجود، وبر، وحكمة، وعدل، وقسط.

مجيد، والمجد: هو عظمة الصفات وسعتها، فله صفات الكمال، وله من كل صفة كمال أكملها وأتمها وأعمها.

﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ ﴾ الذي أصابه من خيفة أضيافه ﴿ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى ﴾ بالولد، التفت حينئذ، إلى مجادلة الرسل في إهلاك قوم لوط ، وقال لهم: ﴿ إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ ﴾ أي : ذو خلق حسن وسعة صدر، وعدم غضب، عند جهل الجاهلين.
﴿ أَوَّاهٌ ﴾ أي : متضرع إلى الله في جميع الأوقات، ﴿ مُنِيبٌ ﴾ أي: رجَّاع إلى الله بمعرفته ومحبته ، والإقبال عليه , والإعراض عمن سواه ، فلذلك كان يجادل عمن حتَّم الله بهلاكهم.

فقيل له : ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ الجدال ﴿ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ بهلاكهم ﴿ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ فلا فائدة في جدالك.


مصدر التفسير في هذا اللقاء ( تفسير السعدي )
************

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

الثلاثاء، 12 فبراير 2013

إبراهيم عليه السلام- سورة الأنعام


بسم الله الرحمن الرحيم


أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأنعام
(11)

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ



فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ – 76
 فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ – 77


فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ – 78

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - 79

﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ﴾ أي : أظلم ﴿ رَأَى كَوْكَبًا ﴾ لعله من الكواكب المضيئة، لأن تخصيصه بالذكر، يدل على زيادته عن غيره، ولهذا - والله أعلم - قال من قال : إنه الزهرة.

﴿ قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ أي : على وجه التنزل مع الخصم أي: هذا ربي، فهلم ننظر، هل يستحق الربوبية ؟
وهل يقوم لنا دليل على ذلك ؟
فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه، بغير حجة ولا برهان.

﴿ فَلَمَّا أَفَلَ ﴾ أي: غاب ذلك الكوكب ﴿ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾ أي : الذي يغيب ويختفي عمن عبده، فإن المعبود لا بد أن يكون قائما بمصالح من عبده، ومدبرا له في جميع شئونه،
أما ذلك الكوكب له مسار محدد يسير فيه طبقا لقانون وضعه الله له..فذلك الكوكب مخلوق مثلي ومثلك تماما لا يملك من أمره شئ..
فمن أين يستحق العبادة ؟! وهل اتخاذه إلها إلا من أسفه السفه، وأبطل الباطل ؟!
وبذلك أبطل عبادة الكواكب..

ثم ذهب لعباد القمر ...

﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا ﴾ أي: طالعا، رأى زيادته على نور الكواكب ﴿ قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ تنزلا ومجاراة الخصم. 
﴿ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ
فالقمر مسير في مداره كذلك لا يملك من أمره شئ ولا يملك لأي مخلوق ضر ولا نفع .. فيجب أن نتضرع إلى الخالق الحق أن يهدينا. وإلا لكنا من الضالين التائهين عن المعبود الحق.
 وبذلك أسقط عبادة القمر..

ثم ذهب لعباد الشمس...

﴿ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ﴾ من الكوكب ومن القمر. 
﴿ فَلَمَّا أَفَلَتْ ﴾ أي غابت وأنها مسخرة في مدارها لا تستطيع الضر أو النفع..
وهكذا أسقط عبادة الشمس..

  ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ حيث قام البرهان الصادق الواضح، على بطلان جميع الشركاء من أصنام وكواكب والقمر والشمس.

﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ﴾ أي: لله وحده، مقبلا عليه، معرضا عن من سواه.
سبحان الله العلي العظيم ...ما أعظم ذلك الدين القيم ملة إبراهيم..

 ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ فتبرأ من الشرك، وأذعن بالتوحيد، وأقام على ذلك البرهان..
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ – 80

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ  -  81  

الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ – 82

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ  - 83

وتلك الحجة التي حاجَّ بها إبراهيم عليه السلام قومه هي حجتنا التي وفقناه إليها حتى انقطعت حجتهم. نرفع مَن نشاء من عبادنا مراتب في الدنيا والآخرة. إن ربك حكيم في تدبير خلقه, عليم بهم.

كانت مصادر التفسير لهذا اللقاء :
( التفسير الميسر – تفسير السعدي )

**********

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

الثلاثاء، 5 فبراير 2013

إبراهيم عليه السلام - سورة الأنعام



بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأنعام
(10)

تجلية عقيدة التوحيد في مناظرة
نبي الله ( إبراهيم ) مع المشركين


وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ – 73

قوله الحق في جميع مخلوقاته . . فأولى أن يستسلم له وحده من يشركون به ما لا ينفع ولا يضر من خلقه . ومن يتبعون قول غيره كذلك في التفسير للوجود وتشريعه للحياة . في أي اتجاه .

إن الملك لله وحده , وأنه لا سلطان إلا سلطانه , ولا إرادة إلا إرادته . . فأولى للبشرية- العائدة إلى ربها حتما- الاستسلام له في الدنيا طائعين, أن يستسلموا قبل أن يستسلموا لسلطانه المطلق يوم ينفخ في الصور .

هذه الحقائق تعرض قبل مشاهدة اللقاء الحي بين إبراهيم عليه السلام وقومه , والمناظرة القوية أمام الملأ وأمام عبدة الأصنام وعبدة الكواكب والنجوم ..
والمناقشة الواضحة الصريحة التي يقر بها العقل والفطرة السليمة..


**********
إبراهيم يقيم الحجة على قومه

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ – 83


إنها قصة الفطرة مع الحق والباطل . وقصة العقيدة كذلك يصدع بها المؤمن ولا يخشى فيها لومة لائم ;
ولا يجامل على حسابها أبا ولا أسرة ولا عشيرة ولا قوما . . كما وقف إبراهيم من أبيه وقومه هذه الوقفه الصلبة الحاسمة الصريحة :

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ – 74  وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ – 75

وتجهر بكلمة الحق وتصدع , حينما يكون الأمر هو أمر العقيدة ,

كلمة يقولها إبراهيم - عليه السلام - لأبيه . وإبراهيم هو الأواه الحليم الرضي الخلق السمح اللين , كما ترد أوصافه في القرآن الكريم . ولكنها العقيدة هنا .

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ.

والعقيدة فوق روابط الأبوة والبنوة , وفوق مشاعر الحلم والسماحة . وإبراهيم هو القدوة التي أمر الله المسلمين من بنيه أن يتأسوا بها . والقصة تعرض لتكون أسوة ومثالا . .

وكذلك استحق إبراهيم - عليه السلام - بصفاء فطرته وخلوصها للحق أن يكشف الله لبصيرته عن الأسرار الكامنة في الكون , والدلائل الموحية بالهدى في الوجود...


وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.

بمثل هذه الفطرة السليمة , وهذه البصيرة المفتوحة ; وعلى هذا النحو من الخلوص للحق , ومن إنكار الباطل في قوة . .
نري إبراهيم حقيقة هذا الملك . . ملك السماوات والأرض . . ونطلعه على الأسرار المكنونة في صميم الكون , ونكشف له عن الآيات المبثوثة في صحائف الوجود , ونصل بين قلبه وفطرته وموحيات الإيمان ودلائل الهدى في هذا الكون العجيب . لينتقل من درجة الإنكار على عبادة الآلهة الزائفة , إلى درجة اليقين الواعي بالإله الحق . .

وهذا هو طريق الفطرة البديهي العميق . . وعي لا يطمسه الركام . وبصر يلحظ ما في الكون من عجائب صنع الله . وتدبر يتبع المشاهد حتى تنطق له بسرها المكنون . . وهداية من الله جزاء على الجهاد فيه . .

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ – 83

************

نستكمل تلك المناظرة الحية في اللقاء القادم
بإذن الله تعالى..

مصدر تفسير هذا اللقاء (في ظلال القرآن)