الجمعة، 28 سبتمبر 2012

(أدم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأعراف- 6


بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم
(أدم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأعراف

 قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ - 23
قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ – 24

إنها خصيصة "الإنسان" التي تصله بربه , وتفتح له الأبواب إليه . . الاعتراف , والندم , والاستغفار , والشعور بالضعف , والاستعانة به , وطلب رحمته . مع اليقين بأنه لا حول له ولا قوة إلا بعون الله ورحمته . . وإلا كان من الخاسرين . .

وهنا تكون التجربة الأولى قد تمت . وتكشف خصائص الإنسان الكبرى . وعرفها هو وذاقها . واستعد - بهذا التنبيه لخصائصه الكامنة - لمزاولة اختصاصه في الخلافة ; وللدخول في المعركة التي لا تهدأ أبداً مع عدوه ..إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..

*********

قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ – 25
  
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ – 26

أي: لما أهبط اللّه آدم وزوجته وذريتهما إلى الأرض، أخبرهما بحال إقامتهم فيها، وأنه جعل لهم فيها حياة يتلوها الموت،
مشحونة بالامتحان والابتلاء، وأنهم لا يزالون فيها، يرسل إليهم رسله، وينزل عليهم كتبه، حتى يأتيهم الموت، فيدفنون فيها،
ثم إذا استكملوا, بعثهم اللّه وأخرجهم منها إلى الدار التي هي دار الخلد والإقامة الحقيقية.

*******

يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا..

ثم امتن عليهم بما يسر لهم من اللباس الضروري، واللباس الذي المقصود منه الستر في الأساس والجمال في المظهر..
فإن الذي ترتب على المعصية كشف العورات والمنظر السئ للإنسان بدون كساء..
ولكن بعد التوبة من أدم وزوجه إمتن الله تعالى بقبول تلك التوبة وأنزل عليهم لباسا يواري سوآتهم وذريتهم إلى يوم القيامة..

وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ – 26

و لباس التقوى يستر المعاصي ويستر سوء الأخلاق ولباس التقوى يستمر مع العبد، ولا يبلى ولا يبيد، وهو جمال القلب والروح.

********

وهكذا تتركز المعركة الكبرى الطويلة الضارية في المعركة مع الشيطان ذاته ومع أوليائه .
بين العفة والستر والأخلاق الفاضلة وبين الفساد والعري وسوء الأخلاق..

ويشعر المسلم وهو يخوض المعركة مع هواه وشهواته ; وهو يخوضها كذلك مع أولياء الشيطان من الطواغيت في الأرض وأتباعهم وأذنابهم ; وهو يخوضها مع الشر والفساد والانحلال الذي ينشئونه في الأرض من حولهم . .
ويستمر هذا الصراع لأن عدوه فيها مصرٌّ ماض في طريقه . . وأن جهاد الفساد والإنحلال ماض إلى يوم القيامة . في كل صوره ومجالاته .

******

يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ – 27

يقول تعالى، محذرا لبني آدم أن يفعل بهم الشيطان كما فعل بأبيهم : ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ﴾  بأن يزين لكم العصيان، ويدعوكم إليه، ويرغبكم فيه، فتنقادون له ﴿ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ﴾ وأنزلهما من المحل العالي إلى أنزل منه ،

 فأنتم يريد أن يفعل بكم كذلك، ولا يألو جهده عنكم، حتى يفتنكم، إن استطاع، فعليكم أن تجعلوا الحذر منه في بالكم، وأن لا تغفُلوا عن المواضع التي يدخل منها إليكم....

﴿ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا
إن العري فطرة حيوانية . ولا يميل الإنسان إليه إلا وهو يرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان .
وإن رؤية العري جمالاً هو انتكاس في الذوق البشري قطعاً .
والمتخلفون في أواسط إفريقية عراة . والإسلام حين يدخل بحضارته إلى هذه المناطق يكون أول مظاهر الحضارة اكتساء العراة...

والذين يحاولون تعرية الجسم من اللباس , وتعرية النفس من التقوى , ومن الحياء من الله ومن الناس , والذين يطلقون ألسنتهم وأقلامهم وأجهزة التوجيه والإعلام كلها لتأصيل هذه المحاولة - في شتى الصور والأساليب الشيطانية الخبيثة - هم الذين يريدون سلب " الإنسان "  خصائص فطرته , وخصائص " إنسانيته " التي بها صار إنساناً .
وهم الذين يريدون إخضاع الإنسان لعدوه الشيطان وما يريده به من نزع لباسه وكشف سوآته..

فـ ﴿ إِنَّهُ ﴾ أي الشيطان يراقبكم على الدوام، و ﴿ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ ﴾ من شياطين الجن ﴿ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ 
فعدم الإيمان هو الموجب لعقد الولاية بين الإنسان والشيطان.

هل أدركنا أن التجربة العظيمة التي مر بها أبينا أدم وزوجه تعد درسا لنا وإلى بني أدم إلى يوم القيامة ؟؟؟

********
دمتم في رعاية الله وأمنه
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

(أدم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأعراف - 5



بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم
(أدم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأعراف

فكيف أقنعهما الشيطان بمخالفة أمر الله تعالى ؟؟
هذا ما نراه اليوم إن شاء الله تبارك تعالى.

وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ – 21  فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ – 22  
قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ – 23

ونسي آدم وزوجه - تحت تأثير الشهوة الدافعة والقسم المخدر - أنه عدوهما الذي لا يمكن أن يدلهما على خير .. وأن الله أمرهما أمراً عليهما طاعته سواء عرفا علته أم لم يعرفاها ! وأنه لا يكون شيء إلا بقدر من الله , فإذا كان لم يقدر لهما الخلود والملك الذي لا يبلى فلن ينالاه ..

نسيا هذا كله , واندفعا يستجيبان للإغراء..
تحت تأثير القسم والخديعة بالنصيحة ونسيا أن ذلك الشيطان عدو لئيم ..استغل نقاء الفطرة الطاهرة التي لا تتصور أن يقسم مخلوق بالله تعالى وفي نفس الوقت هو كاذب أثيم..
قال تعالى في سورة ن :
وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ...

أي: كثير الحلف، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كذاب، ولا يكون كذابًا إلا وهو ﴿ مُهِينٌ  أي : خسيس النفس ، ناقص الهمة ، ليس له همة  في الخير، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة.

*******

فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ..
لقد تمت الخدعة وآتت ثمرتها المرة . لقد أنزلهما الشيطان بهذا الغرور من طاعة الله إلى معصيته , فأنزلهما إلى مرتبة دنيا : ( فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ )

ولقد شعرا الآن أن لهما سوآت , تكشفت لهما بعد أن كانت مواراة عنهما .

( فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ )

فراحا يجمعان من ورق الجنة ويشبكانه بعضه في بعض ( يخصفان ) ويضعان هذا الورق المشبك على سوآتهما - مما يوحي بأنها العورات الجسدية التي يخجل الإنسان بفطرته من كشفها , ولا يتعرى ويتكشف إلا بفساد في هذه الفطرة التي تصنعها شياطين الإنس والجن في كل عصر منذ النشأة الأولى للإنسان ...


وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ..


وسمعا هذا العتاب والتأنيب من ربهما على المعصية وعلى إغفال النصيحة .
وأمام النداء العلوي يتكشف الجانب الآخر في طبيعة هذا الكائن المتفرد . .

إنه ينسى ويخطئ . إن فيه ضعفاً يدخل منه الشيطان . إنه لا يلتزم دائماً ولا يستقيم دائماً . .
 ولكنه يدرك خطأه ; ويعرف زلته ; ويندم ويطلب العون من ربه والمغفرة . . إنه يثوب ويتوب ,  ولا يلح كالشيطان في المعصية , ولا يكون طلبه من ربه هو العون على المعصية...كما فعل إبليس..

*******
قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ – 24
  قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ – 25  
وهبطوا جميعا . . هبطوا إلى هذه الأرض
هبطوا ليصارع بعضهم بعضاً , وليعادي بعضهم بعضاً ; ولتدور المعركة بين طبيعتين وخليقتين : إحداهما ممحضة للشر , والأخرى مزدوجة الاستعداد للخير والشر ; وليتم الابتلاء ويجري قدر الله تعالى بما شاء .

********

وتتبين لنا من الآيات السابقة عدة حقائق..

الحقيقة الأولى
الإنسان وعلاقته بالكون

نحن - بحمد الله وبهداه - ننظر إلى هذا الكون الهائل فلا نشعر بالذعر والهلع الذي يقول عنه بعض فلاسفة الغرب..
 إنما نشعر بالرهبة والإجلال لبارىء هذا الكون ; ونشعر بالعظمة والجمال المتجليين في خلقه ; ونشعر بالطمأنينة والأنس , لهذا الكون الصديق , الذي أنشأه الله وأنشأنا فيه عن توافق وتنسيق . . وتروعنا ضخامته كما تروعنا دقته ,  ولكننا لانفزع ولا نجزع , ولا نشعر بالضياع , ولا نتوقع الهلاك . . فإن ربنا وربه الله . .
ونتعامل معه في يسر ومودة وأنس وثقة ; ونتوقع أن نجد فيه أرزاقنا وأقواتنا ومعايشنا ومتاعنا . . ونرجو أن نكون من الشاكرين..
قال تعالى في سورة الأعراف
( ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش . قليلا ما تشكرون -10 ). .
********
الحقيقة الثانية
تكريم الإنسان في هذا الكون

لقد أُعلن ميلاد هذا الكائن المتفرد الميلاد في حفل كوني كان شهوده الملأ الأعلى .
وأعلن ميلاده الجليل العظيم في هذا الملأ وفي الوجود كله . .
 وفي الآية الأخرى في سورة البقرة أنه أعلن كذلك خلافته في الأرض منذ خلقه ; وكان الابتلاء الأول له في الجنة تمهيداً وإعداداً لهذه الخلافة . كما تعلن الآيات القرآنية في سور متعددة , أن الله جعل هذا الكون - لا الأرض وحدها - عوناً له في هذه الخلافة . وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه . .

وكذلك تظهر ضخامة الدور الذي أعطاه بارئه له . فإن عمارة كوكب وسيادته بخلافة الله فيه - أياً كان حجم هذا الكوكب - إنها لأمر عظيم..

والذي يتضح من القصة ومن مجموعة النصوص القرآنية أنه كذلك خلق متفرد لا في الأرض وحدها , ولكن في الكون كله .

 فالعوالم الأخرى من ملائكة وجن وما لايعلمه إلا الله من الخلق ; لها وظائف أخرى , كما أنها خلقت من طبائع أخرى تناسب هذه الوظائف .

وتفرد الإنسان وحده بخصائصه هذه ووظائفه . يدل على ذلك قول الله تعالى : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها , وحملها الإنسان , إنه كان ظلوماً جهولا – 72 الأحزاب ). .


**********

الحقيقة الثاثة
ضعف الإنسان في بعض جوانبه

أن هذا الكائن - على كل تفرده هذا - ضعيف في بعض جوانب تكوينه , حتى ليمكن قيادته إلى الشر والارتكاس إلى الدرك الأسفل , من خطام شهواته . .

وفي أولها ضعفه تجاه حبِّ البقاء , وضعفه تجاه حب الملك . .
وهو يكون في أشد حالات ضعفه وأدناها حين يبعد عن هدى الله , ويستسلم لهواه , أو يستسلم لعدوه العنيد الذي أخذ على عاتقه إغواءه , في جهد ناصب , لايكل ولا يدع وسيلة من الوسائل ..

وقد اقتضت رحمة الله به - من ثم - ألا يتركه لفطرته وحدها , ولا لعقله وحده , وأن يرسل إليه الرسل للإنذار والتذكير - كما سيجيء في آية تالية ...
وهذا هو حبل النجاة بالنسبة له . . . النجاة من شهواته بالتخلص من هواه والفرار إلى الله . والنجاة من عدوه الذي يخنس ويتوارى عند ذكره لربه , وتذكر رحمته وغضبه , وثوابه وعقابه . .

وهذه كلها مقويات لإرادته , حتى يستعلي على ضعفه وشهواته . . وقد كان أول تدريب له في الجنة هو فرض "المحظور" عليه ; لتقوية هذه الإرادة وإبرازها في مواجهة الإغراء والضعف .

وإذا كان قد فشل في التجربة الأولى , فقد كانت هذه التجربة رصيداً له فيما سيأتي ...

ومن رحمة الله به كذلك أن جعل باب التوبة مفتوحاً له في كل لحظة .

 فإذا نسي ثم تذكر ; وإذا عثر ثم نهض ; وإذا غوى ثم تاب . . وجد الباب مفتوحاً له , وقبل الله توبته , وأقال عثرته .

 فإذا استقام على طريقه بدل الله سيئاته حسنات , وضاعف له ما شاء . ولم يجعل خطيئته الأولى لعنة مكتوبة عليه وعلى ذريته .
فليست هنالك خطيئة أبدية . وليست هنالك خطيئة موروثة - ولا تزر وازرة وزر أخرى .

وهذه الحقيقة في التصور الإسلامي تنقذ كاهل البشرية من أسطورة الخطيئة الموروثة التي تقوم عليها التصورات الكنسية في المسيحية ..

إن الأمر في التصور الإسلامي أيسر من هذا بكثير . .

لقد نسي آدم وأخطأ . . ولقد تاب واستغفر . ولقد قبل الله توبته وغفر له . . وانتهى أمر تلك الخطيئة الأولى . ولم يبق منها إلا رصيد التجربة الذي يعين الجنس البشري في صراعه الطويل المدى . .

أية بساطة ! وأي وضوح ! وأي يسر في هذه العقيدة ! ؟؟؟

عقيدة الإسلام الواضحة

********

دمتم في رعاية الله وأمنه
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

(أدم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأعراف - 4



بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم
(أدم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأعراف

وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ – 19
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ – 20
يتجه الخطاب إلى آدم وزوجه , ليعهد إليهما ربهما بأمره في حياتهما ; ولتبدأ تربيته لهما وإعدادهما لدورهما الأساسي , الذي خلق الله له هذا الكائن . وهو دور الخلافة في الأرض - كما صرح بذلك في سورة البقرة : ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ). .

( وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ). .

أمر اللّه تعالى آدم وزوجته حواء ، التي أنعم اللّه بها عليه ليسكن إليها، أن يأكلا من الجنة حيث شاءا ويتمتعا فيها بما أرادا، إلا أنه عين لهما شجرة، ونهاهما عن أكلها، واللّه أعلم ما هي، وليس في تعيينها فائدة لنا. وحرم عليهما أكلها، بدليل قوله ﴿ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ

إن هذا الكائن المتفرد  ( الإنسان ) ; الذي كرمه الله كل هذا التكريم ; والذي أعلن ميلاده في الملأ الأعلى في ذلك الحفل المهيب ; والذي أسجد له الملائكة فسجدوا ; والذي أخرج بسببه إبليس من الجنة وطرده من الملأ الأعلى . . إن هذا الكائن مزدوج الطبيعة ; مستعد للاتجاهين على السواء . وفيه نقط ضعف معينة يقاد منها - ما لم يلتزم بأمر الله فيها - ومن هذه النقط تمكن إصابته , ويمكن الدخول إليه . . إن له شهوات معينة . . ومن شهواته يمكن أن يقاد !

وراح إبليس يداعب هذه الشهوات:

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ – 20

إن الإغواء على الشر يقع في صورة من الصور ; وإيحاء بارتكاب المحظور يتم في هيئة من الهيئات . وأن هذا الإيحاء وذلك الإغواء يعتمدان على نقط الضعف الفطرية في الإنسان .

 وأن هذا الضعف يمكن إتقاؤه بالإيمان والذكر ; حتى ما يكون للشيطان سلطان على المؤمن الذاكر ; وما يكون لكيده الضعيف حينئذ من تأثير . .

فلم يزالا ممتثلين لأمر اللّه، حتى تغلغل إليهما عدوهما إبليس بمكره، فوسوس لهما وسوسة خدعهما بها، وموه عليهما
فدخل عليهما من باب الناصح المحب لهما الخير والملك والخلود..
ونسي أدم أنه عدو ...ولا يصدر النصح من العدو أبدا..

 وقال ﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أي: من جنس الملائكة  ﴿  أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ    كما قال في الآية الأخرى ﴿ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى -120 طه

وهكذا وسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما . . فهذا كان هدفه . . لقد كانت لهما سوآت , ولكنها كانت مواراة عنهما لا يريانها - وسنعلم من السياق أنها سوآت حسية جسدية تحتاج إلى تغطية مادية , فكأنها عوراتهما - ولكنه لم يكشف لهما هدفه بطبيعة الحال..

إنما جاءهما من ناحية رغائبهما العميقة :
بذلك داعب رغائب "الإنسان" الكامنة . . إنه يحب أن يكون خالداً لا يموت أو معمرا أجلا طويلاً كالخلود.... ويحب أن يكون له ملك غير محدد بالعمر القصير المحدد . .

فكيف أقنعهما الشيطان بمخالفة أمر الله تعالى ؟؟
هذا ما نراه لاحقا إن شاء الله تبارك تعالى.

******
دمتم في رعاية الله وأمنه
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

(أدم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأعراف - 3



بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم
(أدم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأعراف

لقد سأل إبليس ربه أن ينظره إلى يوم البعث . وهو يعلم أن هذا الذي يطلبه لا يقع إلاّ بإرادة الله وقدره . ولقد أجابه الله إلى طلبه في الإنظار , ولكن إلى ( يوم الوقت المعلوم )

قال تعالى في سورة ص :

 قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ  - 79  قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ – 80  إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ  - 81

قال الله له : فإنك ممن أخَّرْتُ هلاكهم إلى اليوم الذي يموت فيه كل الخلق بعد النفخة الأولى , لا إلى يوم البعث,
وإنما أُجيبَ إلى ذلك استدراجًا له وإمهالا وفتنة للثقلين.

وهنا يعلن إبليس في تبجح خبيث - وقد حصل على قضاء بالبقاء الطويل - أنه سيرد على تقدير الله له الغواية ...

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ - 16  ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ – 17  قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ – 18  

إنه سيقعد لآدم وذريته على صراط الله المستقيم , يصد عنه كل من يهم منهم باجتيازه - والطريق إلى الله لا يمكن أن يكون حساً , فالله سبحانه جل عن التحيز , فهو إذن طريق الإيمان والطاعات المؤدي إلى رضى الله - وإنه سيأتي البشر من كل جهة : ( من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ). . للحيلولة بينهم وبين الإيمان والطاعة . . وهو مشهد حي شاخص متحرك لإطباق إبليس على البشر في محاولته الدائبة لإغوائهم , فلا يعرفون الله ولا يشكرونه , اللهم إلا القليل الذي يفلت ويستجيب:
( ولا تجد أكثرهم شاكرين ). .
لبيان السبب في قلة الشكر ; وكشف الدافع الحقيقي الخفي , من حيلولة إبليس دونه , وقعوده على الطريق إليه ! ليستيقظ البشر للعدو الكامن الذي يدفعهم عن الهدى ; وليأخذوا حذرهم حين يعرفون من أين هذه الآفة التي لا تجعل أكثرهم شاكرين ...

وفي الواقع أن الشكر ليس كلمة تقال وحسب ولكن الشكر عمل ..
قال تعالى في سورة سبأ :
 اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ – 13


 الشكر: تصور النعمة وإظهارها ، ويضاده الكفر، وهو: نسيان النعمة، وسترها،
ودابة شكور: مظهرة بسمنها إسداء صاحبها إليها ،
وقيل: أصله من عين شكرى، أي : ممتلئة وتفيض، فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه والإفاضة من تلك النعم على من حولك من العالمين.

والشكر ثلاثة أضرب:

أولا - شكر القلب، وهو تصور النعمة.

ثانيا - شكر اللسان ، وهو الثناء على المنعم .

ثالثا - شكر سائر الجوارح ، وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه .
 وقوله تعالى : اعملوا آل داود شكرا
وذكر اعملوا ولم يقل اشكروا؛ لينبه على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح.

وإذا وصف الله بالشكر في قوله تعالى ) : والله شكور حليم ( التغابن/17
 فإنما يعني به إنعامه على عباده، وجزاؤه بما أقاموا من العبادة.

هل أدركنا قيمة الشكر ؟ وكيف ركز إبليس على صد الناس عنه ؟
فتجد الشح بين البشر , وتجد الإحتكار والبخل ..سواء في المال أو المعلومات أو المساعدات في كافة مجالات الحياة ...

********
دمتم في رعاية الله وأمنه
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى