بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء
الله في القرآن العظيم
(إبراهيم
عليه السلام)
وبعض آيات
من سورة الصافات
(17)
سَتَجِدُنِي
إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.
يا للأدب مع
الله ! ويالروعة الإيمان . ويالنبل الطاعة . ويالعظمة التسليم !
ويخطو المشهد
خطوة أخرى وراء الحوار والكلام . . يخطو إلى التنفيذ:
فَلَمَّا
أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ –
103
ومرة أخرى يرتفع
نبل الطاعة . وعظمة الإيمان . وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان .
.
إن الرجل يمضي
فيكب ابنه على جبينه استعداداً . وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً .
وَنَادَيْنَاهُ
أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ – 104
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ – 105
إِنَّ
هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ – 106
وَفَدَيْنَاهُ
بِذِبْحٍ عَظِيمٍ – 107
وَتَرَكْنَا
عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ – 108
سَلَامٌ
عَلَى إِبْرَاهِيمَ – 109
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - 110 إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ –
111
وَبَشَّرْنَاهُ
بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ – 112
قد صدقت الرؤيا
وحققتها فعلاً . فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه
عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه , ولو كان هو الابن فلذة الكبد . ولو كانت
هي النفس والحياة .
وأنت - يا إبراهيم
- قد فعلت . جدت بكل شيء . وبأعز شيء . وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين
. فلم يبق إلا اللحم والدم . وهذا ينوب عنه ذبح . أي ذبح من دم ولحم ! ويفدي الله هذه
النفس التي أسلمت وأدت .
يفديها بذبح
عظيم . قيل : إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلاً من إسماعيل
!
وقيل
له : ( كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ). . نجزيهم باختيارهم لمثل
هذا البلاء . ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء . ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم
على الأداء . ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء !
ومضت بذلك سنة
النحر في الأضحى , ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان . وجمال
الطاعة . وعظمة التسليم . والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم
عليه السلام , الذي تتبع ملته , والذي ترث نسبه وعقيدته .
ولتدرك الأمة طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم
عليها ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا
?
ولا تتلجلج
في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه . ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئا
, ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم
!
ثم لتعرف أن
ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء , ولا أن يؤذيها بالبلاء , إنما يريد أن تأتيه طائعة
ملبية وافية مؤدية . مستسلمة لا تقدم بين يديه , ولا تتألى عليه , فإذا عرف منها الصدق
في هذا أعفاها من التضحيات والآلام . واحتسبها لها وفاء وأداء . وقبل منها وفدّاها
. وأكرمها كما أكرم أباها . .
وَتَرَكْنَا
عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ.
فهو مذكور على
توالي الأجيال والقرون . وهو أمة . وهو أبو الأنبياء . وهو أبو هذه الأمة المسلمة
. وهي وارثة ملته . وقد كتب الله لها وعليها قيادة البشرية على ملة إبراهيم . فجعلها
الله له عقباً ونسباً إلى يوم الدين .
سَلَامٌ
عَلَى إِبْرَاهِيمَ.
سلام عليه من
ربه . سلام يسجل في كتابه الباقي . ويرقم في طوايا الوجود الكبير .
كَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.
كذلك نجزيهم
بالبلاء . . والوفاء . والذكر . والسلام . والتكريم .
إِنَّهُ
مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ.
وهذا جزاء الإيمان
. وتلك حقيقته فيما كشف عنه البلاء المبين .
وَبَشَّرْنَاهُ
بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ.
ثم يتجلى عليه
ربه بفضله مرة أخرى ونعمته فيهب له إسحاق في شيخوخته . ويباركه ويبارك إسحاق . ويجعل
إسحاق نبياً من الصالحين:
وتتلاحق من
بعدهما ذريتهما . ولكن وراثة هذه الذرية لهما ليست وراثة الدم والنسب إنما هي وراثة
الملة والمنهج : فمن اتبع فهو محسن . ومن انحرف فهو ظالم لا ينفعه نسب قريب أو بعيد...
كانت
مصادر التفسير في هذا اللقاء:
( في ظلال القرآن )
*******
فإلى
الملتقى إن شاء الله تعالى..